"رَبع يسوع"
في ليتورجيّتنا، يهتف الكاهن رافعًا جسد الربّ بين يدَيه: "الأقداس للقدّيسين". فيجيب الشعب فورًا: "قدّوس واحد، ربّ واحد، يسوع المسيح"، وكأنّي به يعترف أنّ لا قدّوس بين الناس إلّا الربّ يسوع. هو القدّوس والقدّيس الأوّل، "قدّوس القدّيسين" كما يدعوه القدّيس باسيليوس في قدّاسه، الذي منه تنبع كلّ قداسة، ومن "امتلائه نحن كلّنا أخذنا نعمة فوق نعمة" (يو 1: 16). لخّص بولس محوريّة يسوع هذه بقوله: "منه وبه وإليه" (رو 11: 36)، كلمات استعارها بذكاء إخوتنا اللّاتين في قدّاسهم. يسوع هو فوق الجميع!
والقدّيسون مَن هم إذن؟ هم أولئك الكائنات البشريّة التي لم ترَ لها وجودًا خارج يسوع. تقدّسوا، لأنّهم حسبوا أنفسهم لا شيء في أعين أنفسهم، فهتفوا مع يوحنّا المعمدان: "لنا أن ننقص وله أن ينمو" (يو 3: 30). ونحن إذا أكرمناهم فليس لأنّهم كبار في أعين أنفسهم، بل لأنّهم كبروا في عين الربّ.
فليسمع من يعترض على إكرامهم: قدّيسونا لا شيء بلا يسوع، لكنّهم كلّ شيء معه. نحن ننظر في عيني يسوع، لا بل في بؤبؤ عينيه، فنرى مريم ومعها رهط عظيم من الرجال والنساء القدّيسين يلمعون كالشَرَر في عينيه.
يسوع نفسه قالها يومًا ما: "كلّ من سيعترف بي قدّام الناس سأعترف به أمام أبي الذي في السماوات" (مت 10: 32). هذه الترجمة العربيّة لا تعكس للأسف ما في الأصل اليونانيّ من جمال. مَن هو هنا محور الاعتراف ليس يسوع نفسَه (كي نترجم "كلّ من سيعترف بي")، بل المؤمن الذي يعترف به ربًّا. فتضحي الترجمة: "كلّ من سينسب نفسه إليّ أمام الناس، سأنسب نفسي إليه أمام أبي الذي في السماوات". الترجمة المسكونيّة الفرنسيّة (TOB) أصابت أكثر عندما ترجمت:
« Quiconque se déclarera pour moi devant les hommes, je me déclarerai pour lui devant mon Père qui est dans les cieux ».
وكأنّي بيسوع يهتف: مَن هو لي فأنا له "على راس السطح": أمام الله والملائكة والبشر... يكرّر يسوع هنا نشيدًا من سفر نشيد الأناشيد استعار لاحقًا سعيد عقل كلماته وغنّته فيروز: "أنا لحبيبي وحبيبي لي" (نش 6: 3).
هذه هي القداسة بعينها: أن أنسب نفسي ليسوع في جيلٍ بات يستحيي بيسوع وبإنجيله. القدّيسون هم "رَبعُ يسوع" الذين يفاخرون بالانتماء إليه في هذا الجيل المعوجّ الشرّير. "كانوا لك فأعطيتهم لي" (يو 17: 6)، هكذا وصفهم يسوع يومًا مخاطبًا أباه السماويّ.
إذا نام القدّيسون واستفاقوا، إذا أكلوا أو شربوا، إذا اشتغلوا أو استكانوا، إذا ابتهجوا أو حزنوا، إذا غضبوا أو هَدأوا، إذا تكلّموا أو صمتوا، إذا عاشوا أو ماتوا... فهذا كلّه يفعلونه باسم يسوع ومعه وفيه ولأجله.